ذات صلة

متى بدأتِ العلاقةُ.. وكيف تطورت.. ؟| تحالف الإسلام السياسي.. إيران والإخوان المسلمين ودورهما المشبوه في اليمن

اسرار جديدة | تحالف الإسلام السياسي.. إيران والإخوان المسلمين ودورهما المشبوه في اليمن

#نيوز_ماكس1

توجد علاقةٌ طويلة تربط بين النظامِ الإسلامي الشيعي في إيران، وبين جماعةِ الإخوان المسلمين السنة، كما سبق أن وثّق موقع عين أوروبية على التطرف. وقد نُشرت مؤخرًا تفاصيل جديدة، تُثبت أن هذه العلاقةَ ما زالت مستمرةً، بحسبِ التقرير الذي نشره جيمس ريزن في موقع “ذا إنترسبت”.

متى بدأتِ العلاقةُ.. وكيف تطورت؟

لقد كان الإخوانُ، ورجالُ الدينِ الثوريون الذين يحكمون إيران، على اتصالٍ قبل اندلاع الثورة الإسلامية في عام 1978-1979 التي أسقطت الشاه. أقام مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، حسن البنا، علاقات قبل اغتياله في عام 1949، بالقادة الإيرانيين، الذين شكَّلوا “بذرة” الثوار اللاحقين، مثل مجتبی میرلوحی (نواب صفوي)، الذي كان على صلة بمُنظر الإخوان سيد قطب. ويبدو أن اللغة الكاملة للحركة الإسلامية الإيرانية قد استندت إلى معجم الإخوان ومفاهيمهم.

لقد تعاون النشطاء الرئيسيون، الذين مكّنوا الحركة الإسلامية الإيرانية من الوصول إلى السلطة عام 1979، ومنهم إبراهيم يزدي على سبيل المثال، تعاونوا مع شبكات الإخوان الدولية. كان يزدي ممثلًا لزعيم الثورة، وأول مرشد للجمهورية الإسلامية آية الله العظمى روح الله الخميني، وقد كان “معسول الكلام” و”مُتغربِن”. وكان يزدي أيضًا هو الذي ساعد في إقناع الكثيرين في الغرب بأنهم يجب ألا يخشوا من سقوط نظام الشاه لأن النظام المقبل سيكون نظامًا ليبراليًا، في ظل أن الخميني كان مصورا في مدرسة دينية في قم. من جانب آخر، يُشار إلى أن الزعيم الأعلى الإيراني الحالي، علي خامنئي، قد دخل إلى السياسة عبر ميرلوحي، وما زال معجبًا بسيد قطب.

ويبدو أن الاستثناء الرئيس لإيران كان دائمًا جماعة الإخوان المسلمين السورية، التي لم تغفر أبدًا للنظام الديني دعمه لعائلة الأسد، وتحديدًا ما حدث لهم في مدينة حماة في فبراير 1982، حيث انقض نظام حافظ الأسد على الانتفاضة التي قادتها الجماعة، التي بدأت في أواخر فترة السبعينيات. وبشكلٍ عام، رأت جماعةُ الإخوان المسلمين أن الرسالة الدينية التي تبناها الإسلاميون الإيرانيون رسالة صادقة، كما رأت في نظامهم الإسلامي مثالًا يُحتذى به. وكان هناك رأي مشابه من قبل الإسلاميين “الأكثر تشددًا” الذين سيواصلون تشكيل الحركة السلفية الجهادية فيما بعد، وأبرزهم أيمن الظواهري، الزعيم الحالي لتنظيم القاعدة. لكن الإخوان السوريون كان لهم رأي آخر، كانوا يرون نموذج طهران طائفيًا، جمهورية شيعية وقفت إلى جانب طاغية علوي، أي الأسد، في قتل السنة.

لكن مصر وجماعة الإخوان المصرية، الفرع الرئيس للتنظيم العالمي، مختلفان تمامًا عن سوريا وجماعة الإخوان السورية. نظرًا لخلو مصر من الانقسامات الطائفية الموجودة في بلاد الشام، لدى المصريين هوية إسلامية أكثر تعاطفًا مع الشيعة. وكما ذكرنا أعلاه، تواصل سيد قطب بأسلاف حكام إيران الحاليين، وليس سرًا أن النظام الإيراني كان على اتصال بالإخوان المسلمين المصريين حتى عامي 2012 و2013، حيث سافر ممثلون إيرانيون إلى مصر لدعم الرئيس المصري آنذاك محمد مرسي، عضو جماعة الإخوان المسلمين، وذهب مرسي إلى إيران علانية.

لكن في أعقاب إقالة مرسي في يوليو 2013، وفي ظل تحرك البلاد بثبات نحو الحليف الطبيعي، وهي الكتلة الخليجية بقيادة السعودية والإمارات العربية المتحدة، لم يكن من الواضح إلى أي مدى يمكن لطهران أن تساعد جماعة الإخوان المسلمين المصرية، ولا يزال حجم الاتصالات القائمة بينهما غير معروف.

 انكشاف أسرار جديدة

مقال ريزن في موقع “ذا إنترسبت” يستند إلى برقية استخبارات إيرانية أرسلها ممثل عن وزارة الاستخبارات، أو وزارة الاستخبارات والأمن سابقًا التي تعرف الآن اختصارًا باسم “اطلاعات”. كان عميل اطلاعات الذي أرسل البرقية جاسوسًا فعليًا حاضرًا في اجتماع عقد مع جماعة الإخوان المسلمين المصرية، نظمه فيلق القدس، الجناح الخارجي للحرس الثوري الإيراني. والجدير بالذكر أن اطلاعات تحاول مراقبة فيلق القدس، المنافس البيروقراطي الأقوى داخل الدولة الإيرانية في التعامل مع الحلفاء والوكلاء في الخارج. (وتظهر برقيات إيرانية أخرى جرى تسريبها من العراق ونشرها موقع “ذا إنترسبت” أن “اطلاعات” يعمل في الواقع كتابع للحرس الحرس الثوري الإيراني في ظل إحكام جهاز التجسس الإيراني قبضته على بغداد).

عُقد الاجتماع في أبريل 2014. وتم منع قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، الذي يعتبر بمنزلة نائب الرئيس الإيراني، من حضور الاجتماع في فندق بتركيا نظرًا لامتثال الحكومة التركية للعقوبات المفروضة على إيران، وعلى وجه التحديد المفروضة على سليماني، وبالتالي تم منعه من دخول الدولة. وحسبما أشار ريزن، حضر شخص يُدعى “أبو حسين” الاجتماع بدلًا من سليماني. “يُشار إلى التالي: صنفت إدارة ترامب الحرس الثوري منظمةً إرهابية أجنبية في أبريل [2019]، ويُقال إن البيت الأبيض يضغط من أجل إضافة جماعة الإخوان المسلمين إلى القائمة أيضًا”.

أوضح ريزن أن “ثلاثة من أبرز قادة جماعة الإخوان المسلمين المصريين في المنفى قد مثلوا الجماعة؛ وهم: إبراهيم منير مصطفى، محمود الإبياري، ويوسف مصطفى ندا”. وقد تم تسليط الضوء على ندا لفترة وجيزة عندما فرضت الأمم المتحدة عقوبات عليه في عهد إدارة جورج دبليو بوش، على خلفية اتهامات بتمويل تنظيم القاعدة، رغم أنه تم إسقاط هذه العقوبات في وقتٍ لاحق لعدم كفاية الأدلة. يوسف ندا -الوحيد من هؤلاء الثلاثة الذي استجاب وعلّق على الموضوع- نفى تمامًا لموقع “ذا إنترسبت” حدوثَ هذا الاجتماع.

فيما يتعلقُ بالسياق الذي عقد فيه الاجتماع، فقد حدث هذا في الوقت الذي بدأ فيه تنظيم داعش الاندفاع بقوة في جميعِ أنحاء العراق وسوريا، الذي بلغ ذروته بإعلان “الخلافة” المزعومة في يونيو 2014. وفي يناير 2014، سقطت الفلوجة على يد داعش، وبدأتِ الحكومةُ العراقية الطائفية والسلطوية والموالية لإيران، بقيادة نوري المالكي في شنّ هجوم مضاد كان أخرقَ ووحشيًا في آن واحد، وشمل استخدام الميليشيات العميلة لفيلق القدس -مثل “عصائب أهل الحق” التي ستشكل قريبًا بشكل علني- وكان بالفعل قد جرى إنشاؤها كنواة– لتكتل الميليشيات الشيعية في العراق، الذي صار يُعرف باسم “الحشد الشعبي”، على غرار الحرس الثوري الإيراني في إيران.

أما الغرض من الاجتماع، كما قال أحد قادة الإخوان المسلمين، بعد الاعتراف بالصدع السني-الشيعي، فقد كان يتمثل في إيجاد “أرضية مشتركة للتعاون”. وقال الإخوان إن العداء المشترك للمملكة العربية السعودية -“العدو المشترك”- كان مجالًا لعمليات مثمرة، واعتقد الإخوان أن اليمن هو أفضل مكان للبدء.

وفيما يتعلق باليمن، قال وفد الإخوان: “في اليمن، في ظل تأثير إيران على الحوثيين، وتأثير الإخوان على الفصائل السنية القبلية المسلحة [مثل حزب الإصلاح]، يجب أن يكون هناك جهد مشترك لتقليص الصراع بين الحوثيين والقبائل السنية ليكونوا قادرين على استخدام قوتهم ضد المملكة العربية السعودية”.

علاوة على ذلك، كان الإخوان يعتبرون العراق مكانًا آخر يمكن أن تتلاقى فيه مصالحهم مع إيران. وفي هذا الصدد، قال أحد قادة الجماعة، وفقًا لبرقية اطلاعات: “في العراق، من الأفضل تخفيف التوتر بين الشيعة والسنة وإعطاء السنة فرصة للمشاركة في الحكومة العراقية”. لكن جماعة الإخوان المسلمين أدركت أنه “لا يوجد شيء… يمكن القيام به حيال” سوريا، حيث تتعارض وجهات نظر الجانبين بشكل قاطع. ورفض الإخوان “أي مساعدة من إيران للعمل ضد الحكومة المصرية”، ربما لأنها أدركت مدى الضرر السياسي الذي قد يلحق بها إذا نُظر إليها على أنها تقبل المساعدة الإيرانية.

ورغم هذا التناغم، فإن الاجتماع كان مشوبًا ببعض التوتر، حيث انتقدت جماعة الإخوان فيلق القدس؛ لأنه لم يسلك “الصبر” منهجًا في سعيه نحو السلطة. وكان فيلق القدس بدوره “لا يوافق على التحالف بين الشيعة والسنة”. ومع ذلك، ومن حيث السياسة الواقعية، أياً كانت خلافاتهما التكتيكية-الأيديولوجية، قال فيلق القدس إنه “لم تكن لديه أي خلافات مع الإخوان”.

الخلاصة

رغم تصاعدِ الانقسام الطائفي في الشرق الأوسط، في السنوات الأخيرة، فإن لدى الإسلاميين السياسيين قواسم مشتركة مع بعضهم البعض أكثر من عامة المسلمين الذين يحاولون بناء وإعادة بناء الحياة الطبيعية بعد فترة من الاضطراب، وبالتأكيد قواسم مشتركة أكثر مما لديهم مع الغرب. وهكذا، سيظل احتمالُ التعاون كبيرًا، وينبغي على صانعي السياسات أخذ هذا في الاعتبار، عند وضع استراتيجيةٍ لاحتواء النظام الإيراني والتطرف السني.

spot_imgspot_img