في اليمن | القات .. النبته التي تهدد اليمنيين بالموت عطشاً
#نيوز_ماكس1 – كيوبوست:
يُعد مضغ أوراق شجرة القات ثقافة راسخة في المجتمع اليمني؛ خصوصاً شمال اليمن. وفي حين أنه يُصنف كنوع من أنواع المخدرات، ويُحرَّم في العديد من الدول؛ إلا أن زراعته والاتجار به وتعاطيه قانونية تماماً في اليمن.
يُنتقد القات لاستهلاكه الكثير من الموارد المائية الشحيحة أصلاً في اليمن، واستحواذه على نسبة كبيرة من ميزانية الأُسر اليمنية التي تعاني الجوع والفقر، واحتلاله مساحات زراعية متزايدة على حساب المحاصيل الأخرى؛ مثل البن اليمني الشهير. وذلك بالإضافة إلى الأضرار الصحية والاجتماعية التي يتسبب فيها القات.
وعلى الرغم من جدية كل تلك الأضرار الواضحة؛ فإنه غالباً ما يتم تجاهل -أو التقليل من شأن- دور القات في اقتصاد الحرب في البلاد. يُزرع القات بشكل أساسي في مناطق سيطرة المتمردين الحوثيين في شمال اليمن. وعلى الرغم من تدهور الوضع الاقتصادي؛ فإن قطاع القات بقي مزدهراً، وفي نمو مستمر، موفراً عوائد مالية ضخمة تُسهم في المجهود الحربي للحوثيين. كما أن حقيقة ارتباط زراعة وتجارة القات بشبكة واسعة ومعقدة من الفاعلين تجعل احتمالية دعم تجارة القات للجهات الفاعلة الأخرى في الصراع واردة؛ بما في ذلك الجماعات الإرهابية.
أضرار جسيمة
يُعد ضرر القات على البيئة الضرر الأكثر ملاحظة لزراعة القات في اليمن. تشير بعض التقديرات إلى أن زراعة القات تحتل 38 في المئة من الأراضي الصالحة للزراعة، وتستهلك 37 في المئة من مياه الري في جميع أنحاء البلاد. تتضاعف المساحات المزروعة لصالح القات على حساب المحاصيل الأخرى، مثل البن، باستمرار منذ عقود؛ ووفقاً لبعض التقديرات، تزداد مساحة الأراضي الزراعية للقات بمعدل أربعة إلى ستة آلاف هكتار سنوياً.
لدى اليمن واحد من أدنى معدلات توافر المياه العذبة في العالم. النقص في المياه حاد بشكل خاص في صنعاء؛ حيث تشير التقديرات إلى أن معدل الاستخراج من طبقة المياه الجوفية التي تزود صنعاء يبلغ 2.5 ضعف معدل التجديد. تُعد محافظات مثل حجة وتعز وصنعاء وإب وصعدة من بين المحافظات الأكثر إنتاجاً للقات، وفي المقابل تتوسع المناطق الحضرية في مناطق مثل صنعاء وتعز، ضاغطةً بشكل قوي على الطلب على المياه.
في أغسطس، العام الجاري، قال البنك الدولي إن تغير المناخ يجعل هطول الأمطار في اليمن أقل فعالية. ويجري تجفيف طبقة المياه الجوفية في حوض صنعاء بسرعة.
على الرغم من تلك الأضرار التي سوف تبرز كارثيتها خلال العقود القادمة، إن لم يكن في القريب العاجل؛ فإن قطاع القات في اليمن مغرٍ جداً للجميع، فهو لا يرتبط بموسم معين خلال السنة، ومربح بنسبة 10 إلى 20 مرة أكثر من المحاصيل الأخرى، ويوفر ما لا يقل عن 17 في المئة من فرص العمل لليمنيين. كما أنه، بعد كل ذلك، يعتبر قطاعاً حيوياً استطاع الصمود في ظل الصراع بشكل أفضل بكثير من أي قطاع اقتصادي آخر؛ بفضل شبكة معقدة من المصالح والعلاقات التي تربط مختلف الأطراف في اليمن بإنتاجه وتوزيعه.
أحد أعمدة اقتصاد الحرب
يُعرف اقتصاد الحرب بأنه تنظيم القدرة الإنتاجية للبلد وتوزيعها في أوقات النزاع. من خلال اقتصاد الحرب، يتم تخصيص الموارد بعناية شديدة؛ من أجل تحقيق النصر مع تلبية مطالب المستهلكين المحليين.
من الصعب العثور على بيانات مؤكدة ودقيقة حول مساهمة قطاع القات في اليمن في دعم المجهود الحربي للمتمردين الحوثيين، والذين يسيطرون على الغالبية الساحقة من المساحات الزراعية للقات. ومع ذلك، يمكن بسهولة ملاحظة قدرة هذا القطاع على الصمود في ظل الأزمة الاقتصادية، وارتباط أسباب ذلك الصمود بإرادة وتكيُّف الفاعلين الأساسيين في هذا القطاع.
تقدر إحصائية قديمة نسبياً أن اليمنيين ينفقون 1.2 مليار دولار سنوياً على شراء القات. من المتوقع حالياً ازدياد هذا المبلغ بشكل كبير مع تزايد التعداد السكاني وتزايد تعاطي القات أكثر من أي وقت مضى.
يفرض القانون اليمني 20% ضريبة على بيع القات، يتم تحصيلها في الأسواق المخصصة لبيع القات أو المداخل المؤدية إلى المدن، أو أي مكان آخر. تُعد نسبة الضرائب هذه واحدة من أعلى النسب على السلع والمنتجات والخدمات الاستهلاكية في قانون الضرائب. في كثير من الأحيان، يتهرب التجار ببساطة من الضرائب من خلال رشوة المحصلين ونقاط التفتيش.
حقيقة أن القات قطاع محلي خالص، لا يرتبط بالتجارة الخارجية إلا من خلال الوقود فقط، جعلت منه قطاعاً مزدهراً وقت الصراع؛ حيث لجأ الكثير من المواطنين إلى هذا القطاع مع تعثُّر الاقتصاد وإثبات قدرة قطاع القات على الصمود.
لحماية تجارة القات، وضمان توسيع سوقه وسرعة توصيله إلى المستهلكين، فإنه يتوجب على كل المنخرطين في شبكة الإنتاج والتوزيع والبيع دفع الضرائب الباهظة والرشاوى ومساهمات “المجهود الحربي”. يستخدم المتمردون الحوثيون تلك العوائد الضخمة لدعم جبهات القتال، كما يستغلون القدرة المخدرة للقات للترويح على المقاتلين وتخفيف ضغوط القتال. مع استمرار تدفق الأموال من قطاع محلي شديد التكيُّف، وقدرة على تحمُّل أعباء القتال، تصبح إدامة الصراع في اليمن حقيقة لا مفر منها.
محاولة فاشلة لحظر القات
أشارت دراسة نُشرت في عام 2019 إلى روابط محتملة بين بعض الجهات الفاعلة في النزاع في اليمن والسيطرة على سوق القات في مناطق مثل حجة وتعز وإب وصعدة. وحسب الدراسة، فإن هذه الشبكات هي أكثر انتهازية، وتهدف إلى جني أموال لا تزعزعها مصاعب الحرب. إن وجود شبكات قوية مثل هذه لحماية مصالح الفاعلين الأساسيين، بما في ذلك القادة الحوثيون، يجعل جهود حظره في غاية الصعوبة.
يمكن رؤية مثال على فشل مثل تلك الجهود في محافظة حضرموت، جنوب شرق اليمن؛ حيث يعتبر القات دخيلاً على ثقافة السكان.
حاولت السلطات المحلية في حضرموت حظر القات أكثر من مرة خلال السنوات القليلة الماضية؛ لكن جميع الجهود باءت بالفشل لأسباب عديدة، منها تحول تجارة القات إلى الاقتصاد السري، أو اقتصاد السوق السوداء؛ الأمر الذي لم يؤدِّ إلى حرمان السلطة المحلية من الضرائب فحسب، بل أيضاً رفع من قيمة القات، وبالتالي زادت مداخيل تجار القات القادمين أساساً من مناطق سيطرة الحوثيين.
وفقاً لبعض المصادر الخاصة، تعرضت السلطات المحلية إلى ضغوط من قِبل نافذين على علاقة بشبكات إنتاج وتوزيع وبيع القات؛ بما في ذلك طبعاً ضغوط فقدان جانب كبير من الإيرادات المحلية عن طريق الضرائب، مما دفع السلطات في النهاية إلى إلغاء الحظر. لقد عنى ذلك في الواقع استمرار تدفق الأموال إلى مناطق سيطرة الحوثيين، والتي يذهب جزء كبير منها لدعم المجهود الحربي والعمليات الإرهابية التي ينفذها ضد سكان اليمن وجيرانه.
تهيمن زراعة القات على قطاع الزراعة في اليمن، وهو قطاع حيوي لاقتصاد المناطق الشمالية من البلاد؛ حيث سيطرة الحوثيين، بسبب خصوبتها وتربتها ومناخها الأكثر ملاءمة مقارنةً بالمناطق الجنوبية؛ حيث تسيطر الحكومة الشرعية. يُسهم قطاع القات في رفد المجهود الحربي بالأموال من خلال الضرائب والرشاوى، وفي تزويد المقاتلين بمخدر يجعلهم أقل إحساساً بفظائع الحرب وأكثر قدرة على الصمود. لا يجرِّم القانون اليمني مخدر القات؛ مما يجعله آلة حرب مهمة في اليمن. بالإضافة إلى كل ذلك، يتوقع أن تُسهم شحة المياه في العمل على خلق التوترات وربما زيادة الصراع في اليمن في المستقبل؛ وهي مشكلة تُسهم في خلقها زراعة القات بشكل متفق عليه تماماً.